
مرحباً بك في نافذة أقلام وأعلام بموقع منصة الباحث، هل يمكن أن تتفضل بتقديم نفسك ومسيرتك الأدبية؟
اسمي عبد الحميد أبوزرة، من مواليد سنة 1987 بمدينة الكارة، وهي مدينة صغيرة فلاحية قرب الدار البيضاء. أنتمي لأسرة متواضعة مكونة من سبعة أفراد، وكان والدي إماماً وشخصاً محباً للعلم والمعرفة، وهو ما أعتبره أثمن ما ورثته عنه.
أحب أن أعرّف نفسي كشخص عاشق للمعرفة والتعلم والتعليم، وشغوف بالكتب والمكتبات. علاقتي مع الكتاب بدأت منذ الطفولة، ولكن كطفل نشأ في بيئة فقيرة، لم يكن الحصول على الكتب والقصص أمراً سهلاً. كانت القصة الواحدة تُعامل ككنز ثمين، وامتلاك كتاب مدرسي جديد كان مدعاة للفخر بين الأصدقاء.
هذه الرغبة القديمة في المعرفة، التي اصطدمت منذ طفولتي بحواجز الفقر وغياب الكتب، نمت بداخلي لتتحول إلى مشروع أدبي أعيش معه اليوم بكل شغف، قراءةً وكتابةً، وسأترك للزمن أن يحدد مآله.
لماذا اخترت الكتابة عن المقاومة المغربية؟
خلال بحثي في تاريخ قبائل الشاوية وتاريخ المغرب عموماً، لاحظت أن الكثير من الأحداث الحقيقية لم تأخذ حقها من التوثيق والتعليم. فالتاريخ الذي يُدرّس في المدارس لا يُقارن حجماً ولا قيمة بالثراء الحقيقي لأحداثنا الوطنية. يمكن القول إن المغاربة لم يكتبوا بعد تاريخهم كما يجب.
كأستاذ، لاحظت أيضاً أن تدريس مادة التاريخ في المدارس غالباً ما يكون عبئاً ثقيلاً على التلاميذ. إذ يُختزل في حفظ التواريخ والمعارك، دون ربطه بحياة الناس ومشاعرهم ومعاناتهم. ولهذا يتحول التاريخ إلى مادة جافة، سرعان ما تُنسى بعد الاختبار.
أنا أؤمن أن التاريخ هو قبل كل شيء قصص بشرية، حافلة بالأمل، بالنضال، وبالتضحيات. لهذا قررت أن أكتب قصصاً مستوحاة من أحداث المقاومة، ولكن بأسلوب أدبي مشوّق يجعل الطفل يعيش تلك الأحداث من خلال شخصيات قريبة منه، فيتعلّم التاريخ دون أن يشعر أنه يدرسه.
كيف تحوّل أحداث المقاومة والتاريخ المغربي إلى قصص تجذب الأطفال والتلاميذ؟
السر في ذلك هو جعل القارئ الصغير يعيش القصة، لا أن يسمع عنها فقط. عندما أكتب، أحاول أن أضع نفسي مكان الطفل وأتساءل: كيف يمكن أن يرى العالم لو كان في ذلك الزمن؟ ما الذي سيشعر به لو كان جزءاً من الأحداث؟ لهذا أبتعد عن السرد الجاف، وأركز على بناء شخصيات حية، لها مشاعر وأحلام، تعيش المغامرة وتواجه التحديات.
أستخدم أيضاً التشويق والمفاجأة، وأضيف عناصر من الحياة اليومية التي قد يجد الطفل فيها نفسه، مما يساعده على التماهي مع القصة. لا أريد أن أكتب دروساً تاريخية، بل أريد أن أحكي حكايات ممتعة تجعل الأطفال يطرحون الأسئلة، يبحثون أكثر، ويرغبون في معرفة المزيد عن تاريخهم.
ما الذي ينقص أدب الأطفال المغربي اليوم؟
أدب الأطفال في المغرب بدأ يشهد تطوراً، لكن لا يزال أمامه طريق طويل ليصل إلى المستوى الذي نطمح إليه. ما ينقصه، في رأيي، هو أولاً الكم، فنحن بحاجة إلى المزيد من الكتب والقصص التي تخاطب الطفل المغربي بلغته وثقافته وهويته.
ثانياً، نحتاج إلى دعم حقيقي من المؤسسات الثقافية والمدارس، حتى تصل هذه الكتب إلى الأطفال في جميع الأوساط، خاصة الفقيرة منها. القراءة لا يجب أن تكون ترفاً للنخبة فقط، بل حقاً لكل طفل، ولهذا أحاول من خلال مشروعي الاجتماعي دعم المطالعة في الأحياء والمناطق النائية.
ثالثاً، نحتاج إلى أدب أطفال متنوع، لا يقتصر فقط على القصص التربوية أو الأساطير القديمة، بل يشمل الخيال العلمي، المغامرات، القصص البوليسية، وحتى الروايات المصورة، حتى يجد كل طفل ما يناسبه ويحفّزه على القراءة.
ما هو مستقبل القراءة والكتاب في عصر الهاتف الذكي والذكاء الاصطناعي؟
الكثيرون يعتقدون أن الكتاب الورقي سيختفي مع تطور التكنولوجيا، لكنني لا أرى ذلك. بل أعتقد أن التحدي اليوم ليس في “اختفاء الكتاب”، بل في كيفية جذب الطفل إلى عالم القراءة وسط كل هذا الإغراء الرقمي.
علينا أن نواكب العصر، ونستخدم الوسائل الحديثة لصالحنا. يمكننا مثلاً الاستفادة من التكنولوجيا لإنتاج قصص تفاعلية، أو تحويل الكتب إلى قصص رقمية مدعّمة بالصور والصوت لجذب الأطفال الذين يفضلون الشاشات على الورق.
في النهاية، المهم ليس الوسيلة، بل المحتوى. إذا قدمنا للأطفال قصصاً ممتعة وشيقة، سواء في كتاب مطبوع أو على شاشة هاتف، فإنهم سيقرؤون. والقراءة ستظل دائماً هي المفتاح لكل تقدم.
—
خاتمة
شكراً لك على هذا الحوار القيّم. هل لديك كلمة أخيرة؟
أشكر منصة “الباحث” على هذه الفرصة، وأتمنى أن نعمل جميعاً على تعزيز حب القراءة في قلوب أطفالنا، لأنهم مستقبل هذا الوطن. وكما كنتُ طفلاً يبحث عن كتاب، أتمنى أن يجد كل طفل مغربي اليوم كتابه المفضل بسهولة، لأنه بذلك سيجد نافذة على عالم أوسع، مليء بالمعرفة والجمال.
